شعب يقرأ: شعب لا يجوع ولا يستعبد
لبيك اللهم لبيك كلمات يناجي بها المسلم ربه خلال فريضة الحج ، اختار مالك بن نبي هذه العبارة عنوانا لرواية كتبها بعجالة وبين سفرتين في غرفة فندق وتم نشرها سنة 1947 عن دار النهضة بالجزائر ولم يتسن لهذه الرواية أن يعاد نشرها إلا بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة بن نبي.
تدور أحداث القصة في مدينة عنابة ( بونة إبان الحقبة الاستعمارية) حيث وضع بن نبي القارئ آنذاك وحتى اليوم في الأجواء التي كان يعيشها الانسان الجزائري البسيط في كل مدينة جزائرية كعنابة، حيث مؤثرات النمط الأوربي قد طغت على الجو العام، فالعم محمد والطفل هادي والسكير ابراهيم وزوجته ، كانوا يمثلون الشعب الجزائري بمختلف فئاته .
فالعم محمد يمثل الأصالة المتجذرة في الأمة ، أما ابراهيم فهو يمثل وعلى انحرافه عن الطريق السليم الجيل الذي احتك وعايش المجتمع الأوربي في الجزائر حيث كان في حيرة من أمره .
لم ينسى مالك بن نبي دور المرأة فـزهرة زوجة ابراهيم وعلى ما عانته من ويلات وعربدات ابراهيم الليلية ظلت تكن لزوجها كل الاحترام وتتمنى له كل الخير وتعامله وكأنه أخوها أو ابنها ، وإن اختلفت نظرتها للحياة،فمسبحة أم ابراهيم تمثل بالنسبة اليها ذلك الرصيد الثقافي المتوارث بين الأجيال.
لم تخل كتابات مالك بن نبي من عقيدة الآخر فالحوار الذي دار خلال الرحلة بين الربان ومجموعة الحجيج لم يخل من اشارات الود والتفاهم على اختلاف المبادئ ووجهات النظر.
قام بترجمة القصة الى العربية الدكتور زيدان خوليف سنة 2006 الذي يضيف فيقول في مقدمة الرواية
إن ترجمتنا أول مرة لهذه القصة إلى اللغة العربية تمكن القارئ العربي من الاطلاع على أسلوب بن نبي الروائي الذي لا يختلف كثيرا عن أسلوبه القصصي
الذي تميز به في كتابه " مذكرات شاهد قرن" فرواية "لـبـيك حج الفقراء " تميزت بسلاسة الأسلوب في سرد الأحداث ، وغناها بعنصر التشويق ، إذ لم تخل كذلك من التنكيت والطرافة وتلك خاصية امتاز بها سكان الجنوب القسنطيني خاصة في مدينة تـبـسة والمدن المحيطة بها كدوار "قـساس" آنذاك التي عمل فيها بن نبي مع خاله في مطحنة حبوب بعد تخرجه في مدرسة قسنطينة.
إذا كان ابراهيم السكير قد تاب وعاد إلى التشمير عن سواعده ، ليباشر العمل في حمام يبيع فيه المشروبات لرواده، ومن ثُم فان السواعد الجزائرية ينتظر منها أن تقوم بما قام به ابراهيم: أي العمل.
فالعمل وإن كان بسيطا فان توجيهه الصحيح يمكن أن يثمر إذا كان من أهدافه هدف اجتماعي لا كسب القوت اليومي فحسب. إن العمل وتوجيهه لا يُؤتي أكله إذا لم يكن مصحوبا ومدعما بنزعة تحـد، يخالجها نبذ للعوامل الداخلية كالقابلية للاستعمار والروح الانهزامية وقلة الفاعلية.
فالطفل هادي تحدى رفاقه وصعد إلى المركب ليحج هو الآخر، وإن كان بينه وبين البيت الحرام بحر، فتحدي هادي ونقاوة نفس ابراهيم دفعت بهما إلى أبعد الأمصار، لأن العزيمة أقوى من أن تقهر.
فالشاعر الشاب لم يخطئ عندما قال:
ومن يتهـيّب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر.
قصة لبيك حج الفقراء صدرت باللغة العربية عن دار الفكر دمشق سنة 2009، والكتاب جاء في 156 صفحة ، السعر 230 دج ترجمة الدكتور زيدان خوليف وتقديم الأستاذ عمر مسقاوي